منهج السلف (حقيقته وخصائصه ومصادره في التلقي)

إن من الفتن العظام التي تموج في هذه الأمة موج البحر: فتنة الاختلاف الكثير التي يعقبها تفرق الناس إلى فرق متنازعة، وشيع متناحرة.

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله وسلم : إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا (1).

وقال تعالى : ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) [الأنعام: ٦٥].

وعن ابن عباس ماله في قوله تعالى: أَوْ يَلْيكُمْ شِيَعًا ﴾ [الأنعام: ٦٥)، قال: يعني بالشيع: الأهواء المختلفة (1) .

هذا، وإنَّ من فضل الله ورحمته بالناس أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما تركهم عبئًا ولا هملا يتخبطون في متاهات تلك الفتن، ويتيهون في ضلالاتها، وإنما وضع لهم صراطًا مستقيما أمر باتباعه، فقال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام: ١٥٣].

وعن جابر بن عبد الله رضي عنها، قال: كنا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَدَّ فخط خطا، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط، فقال: «هذا سبيل الله ، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: ١٥٣](٣) .

فما هو هذا المنهج القويم، والسبيل المستقيم؟ وما حقيقته؟ وما خصائصه التي يمتاز بها عن غيره ؟ وما هي مصادر تلقيه؟ وما هي الشبهات المثارة حوله؟ إنه منهج السلف الصالح، طريق السابقين الأولين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

نسأل الله أن يكتبنا في البارين بآبائهم وأمهاتهم، أحياء وأمواتا، وأن يجعل هذا الكتاب عونا للناس على البر والتقوى، إن ربنا سميع عليم.